قراء في كتاب أيام الرباط الأولى

بقلم:سيدي محمد الزعيم
قراء في كتاب أيام الرباط الأولى
عند انتهائي من قراءة كتاب "أيام الرباط الأولى" لكاتبها السوداني أستاذي "طلحة جبريل"،لن أخفي البتة قمة الفرح والنشوة التي تتملكني منذ قراءة أول سطر فيها إلى آخر كلمة،هذا البعد الذي يمزج بين التعلم والمرح والاستفادة والجدية التي يمكن أن تلحظها عند كل كلمة وحرف وجملة وغداة كل معنى يحاول  الكاتب بناءه ليصل لنا، ضمن قالب قصصي شيق وممتع هو رهان من وجهة نظري تفوق الكاتب في ايصاله بنوع من الرشاقة اللغوية والسلاسة في الانتقال من واقعة الى أخرى من دون ان تحس بالرتابة او الملل مرده .
في اعتقادي الى شخصية الكاتب والتي لها ذلك البعد المرح والنرجسية المقبولة الى حدود الرضى التام.
هذا المزيج من تجارب الحياة وصعوباتها والمعاناة التي اكتنفت الكاتب جعلته يخلق لنفسه هوية كتابية يمكن ان تدركها في أي نص كتبه طلحة جبريل دون ان يذيله بتوقيعه، مباشرة ستقودك بصيرتك اليه، ماجعلني أطلق عليه لقب "شابلن الكتابة العربية"،هذا التماهي الجذاب بين شخصية الكاتب وكتاباته لايمكن أن تخطئه بصيرة عاقل يقرأ بعين البصيرة لا بالعين المجردة فشخصية الكاتب كان لها حضور قوي الى حدود ان شخصية الكاتب الورقية هي ذاتها التي تلتقيها في الواقع وتصافحها برغم أن الكتاب تحدث فيه الكاتب عن جزء من حياته ضمن 11 فصلا استطاع من خلالها أن يجتزأ فترة من حياته ويكتب عنها بسهولة وبإبداع وبزهو تتلقفه وانت تقرأ عصاميته ونضاله واجتهاده واستماتته المنقطعة النظير ليحفر لنفسه اسما على صخرة الواقع الصماء التي لا تعترف إلا بما عانيته وصبرت عليه ونلته بكد وبجهد.
هذا الكتاب كان فعلا صورة حقيقية استطاع الكاتب من خلالها أن يعكس نبل صفاته برغم قساوة الظروف وثبات مواقفه برغم تواريه المقصود عن الخوض في السياسة بإستثناء ومضات لم يقف عليها الكاتب كثيرا وهذا من وجهة نظري راجع إلى ديبلوماسية الكاتب الفطرية ولا أقول المكتسبة لأن أحداث الكتاب تعود الى منتصف سبعينيات القرن الماضي وريعان شباب الكاتب  هذا التمكن العالي للكاتب في استحضار التواريخ والامكنة والأشخاص والمأكولات جعل الفصول الستة الأخيرة ممتعة جدا لم يترك الكاتب خلالها أي شيء يستحق الذكر دون ان يذكره او يشير إليه حتى حالة الطقس والموسيقا التي عدد انماطها وروادها من خلال تشارك اكتشفه الكاتب بين الغناء السوسي المغربي والغناء السوداني في السلم الخماسي، وانصهاره التام روحا ونصا مع المجتمع المغربي إبان مغادرته الحي الجامعي مولاي إسماعيل بالرباط، وتعرفه عن كثب بالإنسان المغربي وعاداته وتقاليده ما جعله يجمع المغرب والسودان في تقارب يفيد معناه أن الشعبين ينزعان نحو التساكن والعناية بالغرباء وهذه سمة لا يمكن نكرانها.
ومازاد الكتاب متانة جمله القصيرة والسريعة والتي تعطي معنى عميق وهذا سر من اسرار الكتابة كلما ضاقت العبارة اتسع المعنى، فذاكرة طلحة جبريل هي ذاكرة غنية تنهل من معين التجارب والمعاناة التي هي المادة الخام والمنتوج هو تقديمها لك على طبق الفرح وهذا في تقديري المتواضع مجد الكتابة.

تعليقات

المشاركات الشائعة