في....سمرقند
في....سمرقند.
صورة لمقهئ سمر قند |
لكل ارض قدسيتها،ولكل انسان منطقه،ولكل حياة نكهتها. ولمقهى سمرقند هذه القدسية، وذاك المنطق وتلك الحياة التي تستلذها وأنت تجلس في قلبها مستمتعا بهدوء المكان وجماليته تصنع لنفسك عالما خاصا تغوص اغواره لوحدك محققا أمنية بسيطة من أمنياتك الكثيرة .وهي أن تجلس أنت وذاتك الثانية تحتسيان نفس فنجان القهوة وتراقبان معا حركة الناس وحركة الزمن.
هذه الاطلالة البهية"لمقهى سمرقند" على خليج شبه جزيرة الداخلة تجعلك تطلق العنان للأفكار كثيرة مبعثرة ومشتتة تجتمع في الذاكرة بشكل عشوائي وكأنها تدري أنك سوف تنظمها غداة جلوسك المهيب بسمرقند. هذا المقهى الذي يتوسط المدينة هو منارة يحج إليها الكثير ممن يميلون الى العزلة والهدوء مستغلين رونق المكان وكأنه مسرح آخر من مسارح الدنيا التي تقدم لنا حيزا من الحرية الفردية في الصمت ومحادثة الذات وترتيب الافكار ومحاولة فهم فلسفة الحياة ومجابهة مشاكلها بشكل حر ومستقل. سمرقند المقهى هي الحرية في أبهى تجلياتها من سلطة المجتمع والاعراف المحلية ففراستك يستحيل أن تخطئ الازمات النفسية التي يعيشها الانسان،فهناك فتاة تشعل سيجارة لتستل نفسا عميقا من سيجارة أجنبية تحس بعلاقة الوفاء المتبادلة في الاحتراق وكأن لسان حالها يقول من يستحق أن أحترق من أجله لايوجد هيا فقط سيجارتي التي تخونني بإنتهائها واخونها بدوري بأن أطفئها وأطفئ معها نظرة المجتمع الضيقة .وذاك الشيخ الذي بلغ من الكبر عتيا يجلس وبصره يسرح بعيدا يتأمل هذا الابداع الرباني الذي يبعث في النفس طمأنينة سحرية تجعل محياة يبتسم مترجما انشراحه الداخلي.
هذا التناقض في الشعور والاحساس بين جيلين يفتح أبواب التساؤل على مصراعيه ويفرض هنيهة تأمل وتفكر بمنطق فلسفي عميق يقودك إلى إستفزاز أكبر للعقل من أجل إيجاد أجوبة شافية كافية لأسئلة الذات والحياة معا. فسمرقند المقهى هي أيضا مدرسة من مدارس الحياة التي تخرج منها عشرات الاشخاص يوميا بأفكار جديدة وأحاسيس أخرى غير التي كانت تراودك قبل المجيء إليها،كما أنها تفسح لك المجال حتى ترى هذا الشفق الاحمر الذي ينذر بأفول شمس هذا اليوم لتبعث معها تقريرك اليومي ليأفل أيضا من أجل إستقبال يوم جديد ،بذات جديدة ونفس آخر جديد.
إن هذا التصميم للمقهى والذي ينم عن حس يفهم النفسيات المتناقضة لرواد المكان جعلها على شكل مقصورات مصنوعة من الخشب ولها نوافذ من زجاج يسمح لك برؤية المارة،وفي المكان الذي يطل على الخليج كان يفرض أن تدير ظهرك وتستقبل منظر هذا الخليج كأن صاحب المكان وفر هاته الاجواء من أجل أن يعلق رواد المكان نشراتهم النفسية على حبل هذا الخليج ويتركونها أمانة لديه ويغادرون وقد خف كاهلهم من الضغوط النفسية. فتجد لكل مقصورة اسم كوكب من الكواكب(كزحل،المشتري،المريخ...وكأنها كبسولة زمن تسمو بك من الارض الى الفضاء فتشعر بأن تأشيرتك طبعت في هذه الرقعه الضيقه من الارض لتغدو جيئة وذهابا عبر محطاتك الماضية.
هكذا إذن فالنفس دائما تستكين للأماكن الرائعه التي تطهر النفس البشرية من شوائب ضغوط الحياة المتراكمة ،فكانت سمرقند برغم لحظية المتعة جنة الهاربين من جحيم المجتمع وبهذا يبقى لكل مكان سره ولكل لحظة متعتها ولكل مقهى خصوصيته ولسمرقند سكينة نفسية تطهرك من ضغوط الحياة المتكالبة خالقة لنفسها هذا الشبق الخاص الذي لايحيد عنه منطق عاقل.
بقلم سيدي محمد الزعيم
تعليقات
إرسال تعليق